جيمي كارتر.. الرئيس المزارع.. صانع السلام وأيقونة حقوق الإنسان

جيمي كارتر.. الرئيس المزارع.. صانع السلام وأيقونة حقوق الإنسان
جيمي كارتر

عن عمر ناهز المئة عام، توفي جيمي كارتر الرئيس التاسع والثلاثون للولايات المتحدة في التاسع والعشرين من شهر ديسمبر الماضي، بعدما قضى العامين الأخيرين من حياته في دار رعاية للمسنين.

ولم يبرز كارتر باعتباره الرئيس الأمريكي الأطول عمرًا بقدر ما اعتُبر أكثر الرؤساء السابقين فاعلية بعد مغادرة المنصب، حيث أسهم في تقديم مبادرات عالمية وبذل جهودًا كبيرة لتعزيز وحماية وصون حقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم.

رحيل كارتر ربما كان المناسبة الوحيدة التي اتفق فيها دونالد ترامب الرئيس القادم وجو بايدن الرئيس الحالي للولايات المتحدة على إظهار الحزن، فالأول قال "لقد عمل بجد لجعل أمريكا مكانًا أفضل، ولهذا السبب أعطيه أعلى درجات احترامي، لقد كان رجلًا صالحًا حقًا"، والثاني أكد أن بلاده فقدت زعيمًا عظيمًا.

جاءت وفاة كارتر لتضع نهاية للمجهودات والمساهمات الكبيرة التي بذلها الرجل بعد خروجه من البيت الأبيض من رحلات السلام التي قام بها لدول مختلفة، والمشاركة في حل نزاعات إقليمية في مناطق متفرقة من العالم وتدشينه مركز كارتر لتعزيز حقوق الإنسان وتوسيعها الذي حصل بسببه على جائزة نوبل للسلام في عام 2002.

وُلِد جيمس إيرل كارتر في الأول من أكتوبر عام 1924 في بلينز بولاية جورجيا، وكان والده مزارعًا للفول السوداني، وكان يمتلك قطعة أرض صغيرة خاصة به، بالإضافة إلى مستودع ومتجر وهو المكان الذي بدأ فيه كارتر العمل عندما كان في سن العاشرة.

تلقى كارتر تعليمه في مدرسة بلينز العامة، التي كان جميع طلابها من البيض، بينما تلقى أغلبية السكان السود في المنطقة تعليمهم في المنزل أو في الكنيسة، وعلى الرغم من هذا الفصل العنصري الشامل كان اثنان من أقرب أصدقاء طفولة كارتر من السود، وبعدها درس في كلية جورجيا الجنوبية الغربية ومعهد جورجيا للتكنولوجيا، وحصل على درجة البكالوريوس من الأكاديمية البحرية للولايات المتحدة عام 1946. 
بعد سبع سنوات من الخدمة كضابط بحري، عاد كارتر إلى بلينز.

وفي عام 1962 دخل معترك السياسة في الولاية، وبعد ثماني سنوات انتُخب حاكمًا لولاية جورجيا، وفي خطاب تنصيبه حاكمًا للولاية عام 1971، أعلن كارتر أن "زمن التمييز العنصري قد انتهى".

أعلن كارتر ترشحه لمنصب الرئيس في ديسمبر 1974 وبدأ حملة استمرت لمدة عامين اكتسبت زخمًا تدريجيًا، وفاز بترشيح حزبه في الاقتراع الأول في المؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 1976 وانتخب رئيسًا في 2 نوفمبر 1976 واختار السيناتور والتر إف مونديل من مينيسوتا كمرشح لمنصب نائب الرئيس، وخاض كارتر حملة شرسة ضد جيرالد فورد وفاز كارتر بـ297 صوتًا انتخابيًا مقابل 241 صوتًا لفورد.

وبينما فاز كارتر بالمنصب كانت بلاده لا تزال تعاني من تداعيات فضيحة ووترغيت التي دفعت الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون إلى الاستقالة، وآثار حرب فيتنام التي أصدر عفوًا غير مشروط لمئات الآلاف من الذين تهربوا من التجنيد العسكري للمشاركة فيها.

وعمل كارتر بجد لمكافحة المشكلات الاقتصادية المستمرة المتمثلة في التضخم والبطالة، وأنشأ وزارة التعليم، وعزز نظام الضمان الاجتماعي، وعيّن أعدادًا قياسية من النساء والسود في الوظائف الحكومية، وفي مجال السياسة الخارجية ساعد في توقيع اتفاقية كامب ديفيد في عام 1978 وأسهم في نقل السيادة إلى قناة بنما، وكذلك أقام علاقات دبلوماسية كاملة مع الصين وأكمل مفاوضات معاهدة الحد من الأسلحة النووية.

وأدى تأكيد كارتر الجديد على حقوق الإنسان إلى إلزام الكونغرس بتقديم "تقرير كامل وشامل" سنويًا من قِبَل وزارة الخارجية عن ممارسات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم.

ويوضح المؤرخ ديفيد شمتز أن كارتر كان يعتقد أن القوة الحقيقية للولايات المتحدة تكمن في مُثُلها العليا، ورأى أن تعزيز حقوق الإنسان هو وسيلة لتعزيز المصالح الأميركية مع الحفاظ على القيم الأخلاقية.

وعلى الرغم من الإنجازات التي حققها، جاء نوفمبر 1979 يحمل معه أزمة الرهائن في إيران وظل الرهائن محتجزين لمدة 444 يومًا قبل أن يتم إطلاق سراحهم أخيرًا في اليوم الذي ترك فيه كارتر منصبه في عام 1981 لصالح رونالد ريغان.

وبعد مغادرة البيت الأبيض نجح كارتر في التحول كأيقونة بارزة جدًا عالميًا بما قدمه من جهود إنسانية وإسهامات، فعمل على نطاق واسع مع منظمة هابيتات الإنسانية لمساعدة الفقراء.

في عام 2002، حصل كارتر على جائزة نوبل للسلام "لعقود من الجهود الدؤوبة لإيجاد حلول سلمية للصراعات الدولية، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية".

وفي محاضرة نوبل التي ألقاها في عام 2002، اختتم كارتر كلمته بكلمات يمكن اعتبارها مهمة حياته ودعوته إلى العمل من أجل الأجيال القادمة حيث قال: "إن رابطة إنسانيتنا المشتركة أقوى من انقسام مخاوفنا وتحيزاتنا، يمنحنا الله القدرة على الاختيار، يمكننا اختيار تخفيف المعاناة، يمكننا اختيار العمل معًا من أجل السلام، يمكننا إجراء هذه التغييرات، ويجب علينا ذلك".

انخرط الرئيس كارتر ومركز كارتر في الوساطة في حل النزاعات في إثيوبيا وإريتريا (1989)، وكانت زيارة كارتر إلى كوريا الشمالية عام 1994 سببًا في التوصل إلى اتفاق مع كيم إيل سونغ لتعليق برنامجه النووي، ومن خلال مركز كارتر نجح الرئيس السابق أيضًا في تأمين إطلاق سراح السجناء السياسيين في كوريا الشمالية وغامبيا وراقب أكثر من 100 انتخابات في 39 دولة بالإضافة إلى الولايات المتحدة.

ألّف كارتر العديد من الكتب، منها "فلسطين: سلام لا فصل عنصري" حدد فيه أزمة الصراع باعتقاد بعض الإسرائيليين أن لهم الحق في مصادرة واحتلال الأراضي الفلسطينية ومحاولة تبرير القهر والاضطهاد المستمر للفلسطينيين وأن سياسات إسرائيل ترقى إلى مستوى الفصل العنصري أسوأ من سياسة جنوب إفريقيا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية